أيها الأحبة ها أنتم في قد أظلكم رمضان شهر المغفرة والرضوان, والعتق من النيران...
شهر هو زادكم إلى الجنان، وجوار الكريم المنان... شهر ليس يمنعكم من نيل فضله وبركته أو الحرمان من عظيم الأجر في أوانه وفرصته إلا حرص مشمّر أو تقاعس كسلان..
رمضان! منحة قد خصكم الله بها، وموهبة قد أعطاكم الله إياها، ونفحة ومنة قد تفضل سبحانه عليكم بها...
فإلى الجدّ والتشمير، فهذا أوان الغرس، وإلى المثابرة والاجتهاد، وحذار من هوى النفس... فلقد – والله- " خاب من باع باقياً بفان، وخطر في ثوبي متوان، وتغافل عن أمر قريب كان، وضيع يوماً موجوداً في تأميل ثان...
أما الجنة تشوقت لطالبيها، وتزينت لمريديها، ونطقت آيات القرآن بوصف ما فيها، وملأت أسماع العباد أصوات واصفيها، كأنكم بالجنة وقد فتحت أبوابها، وتقسمها يوم القيامة أصحابها، وغنت ألسن الأماني قريب قبابها..
بشرها دَليلَها وقالا: ... غَداً تَرينَ الطَلحَ والجِبالا
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (قلنا: يا رسول الله، حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة من ذهب ولبنة من فضة: ملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها الياقوت والجوهر، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم لا ييأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)
يا نفس: بادري بالأوقات قبل انصرامها... واجتهدي في حراسة ليالي الحياة وأيامها... فكأنك بالقبور وقد تشققت وبالأمور وقد تحققت... وبوجوه المتقين، وقد أشرقت، وبرءوس العصاة وقد أطرقت.. يا نفس: أما الورعون فقد جدلوا.. وأما الخائفون فقد استعدوا.. وأما الصالحون فقد راحوا... وأما الواعظون فقد صاحوا.. يا نفس: اتعبي قليلاً تستريحي في الفردوس كثيراً.. كأنك بالتعب قد مضى، وبحرصك من اللعب قد مضى.. وثمر الصبر قد أثمر حلاوة الرضا.. لا يطمعن البطال في إدراك الأبطال.. هيهات أن يدرك البطل المجتهد، من غاب حين النزال فما شهد..
لَولا المشَقَة سادَ الناس كُلَهُم ... الجود يفقر والإِقبالُ قتَّالُ
أيها العبد: إن عزمت فبادر، وإن هممت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر، من كان في الصف الآخر..
لا تَحسَبَ المجدَ تَمراً أَنتَ آكِلُهُ ... لا تَبلُغ المجدَ حَتى تَلعَق الصَبرا
لا تجزَعَّنَ مِنَ المَنايا إِذا أَتَت ... واصبِر لِما تأَتي بِهِ الأَقدارُ
وغَدا الصَبور يَجُرُّ ذيلَ سُرورِه ... في جَنَّةٍ مِن تحتِها الأنهَار